القضاء على الأمراض: تصميم الأطفال جينيا والشباب الدائم - واقع من وحي ال DNA

الاصطفاء الصناعي: عكف البشر منذ آلاف السنين على فكرة تحسين النسل عن طريق الاصطفاء الصناعي، مما أدى إلى تعزيز الكثير من الصفات المرغوبة و...

الاصطفاء الصناعي:

عكف البشر منذ آلاف السنين على فكرة تحسين النسل عن طريق الاصطفاء الصناعي، مما أدى إلى تعزيز الكثير من الصفات المرغوبة واستبعاد غير المرغوبة، وبالتالي إنتاج نسل أقوى وأصلح من الحيوانات والنباتات لخدمة الإنسان، حتى أننا أصبحنا جيدين في هذا الأمر على الرغم من أننا لم نفهمه جيدا.


اكتشاف شفرة الحياة DNA :

الحمض النووي DNA مركب بالغ التعقيد ملتف على شكل حلزون يقود عمليات النمو وتطور الوظائف وتكاثر كل كائن حي، يتركب من شريطين يرتبطان معا كالسلم. يمثل هيكلا السكر فوسفات جانبي السلم وتمثل القواعد النيتروجينية درجات السلم.



منذ اكتشاف الـDNA والعلماء يحاولون التلاعب به، ففي سبعينيات القرن الماضي تم إنتاج أول كائن حي معدل وراثيا عن طريق إدخال جينات مقاومة للمضادات الحيوية في بلازميد البكتيريا،

وبعد ذلك تم إنتاج فأرا معدلا جينيا عن طريق تقديم DNA غريب في جنين الفأر جاعلا منه أول حيوان معدل جينيا في العالم مما جعل الفئران الأدوات الرئيسية لأبحاث أنقذت الملايين من الأرواح. ومن ثم توالى إنتاج العديد من الحيوانات والنباتات المعدلة وراثيا لأغراض البحث العلمي والعلاج وإنتاج المحاصيل.

أصبحت الطماطم أول طعام معدل جينيا في المعمل يصل إلى السوق حيث تمت هندستها لتصبح ذات عمر أطول عن طريق تثبيط إنزيمات العفونة وذلك في عام 1994.

تقنية كريسبر:
لفترة قريبة كان تعديل الجينات أمرا مكلفا ومعقدا ويحتاج لوقت طويل لكن هذا الأمر تغير بتكنولوجيا جديدة بدأت بالدخول للمجال تعرف باسم كريسبر، فبين ليلة وضحاها انخفضت كلفة التعديل الوراثي بنسبة كبيرة، وعوضا عن السنوات فأنت تحتاج فقط لبضعة أسابيع للقيام بتجربة، إذا كيف حدثت هذه الثورة؟

منذ فجر التاريخ والفيروسات والبكتيريا يتصارعان؛ فما يسمى بلاقمات البكتيريا أو الآكلات تقوم باصطياد البكتيريا. تتسبب هذه الآكلات بموت 40% من البكتيريا الموجودة بالمحيطات يوميا.

يحصل هذا عندما يهاجم الفيروس الخلية البكتيرية ويتصل بها عن طريق الذيل فتنفذ المادة الوراثية للفيروس إلى داخل الخلية البكتيرية وتتضاعف بداخلها. تحاول البكتيريا المقاومة ولكنها تفشل معظم الوقت وذلك لضعف أدواتها الدفاعية، لكن في بعض الأحيان تنجو البكتيريا من الهجوم وفي هذه الحالة فإنها تستخدم أقوى نظام مضاد للفيروسات لديها. فهي تقوم بحفظ جزء من الحمض النووي الخاص بالفيروس داخل حمضها النووي وتودعه في أرشيف خاص يسمى كريسبر يحفظ بأمان لحين الحاجة. وعندما تهاجم الفيروسات مرة أخرى تقوم البكتيريا بسرعة بصنع نسخة RNA من الحمض النووي للفيروس الذي حفظ من قبل ومن ثم تسلمه لسلاح سري؛ بروتين يسمى case 9 .

يقوم هذا البروتين بتفتيش البكتيريا باحثا عن أي دليل لوجود غزو فيروسي عن طريق مقارنة كل جزء من الحمض النووي المحفوظ في الأرشيف وما إن تجد نسخة مطابقة بنسبة 100% لـDNA الفيروس فإن السلاح يقطع الحمض النووي الفيروسي ويجعله عديم الفائدة وبذلك يحمي البكتيريا من الهجوم.

فالأمر يشبه إلى حد كبير فكرة اللقاحات والأمصال؛ يحقن الكائن الحي بالمادة المسببة للمرض مما يحرض الجهاز المناعي للجسم ليتعرف عليه ويبقي لديه نسخة منه كي يستطيع الجهاز المناعي التعرف عليه ويحطمه بسهولة إذا هاجمه. لكن المميز بالأمر هو اكتشاف العلماء أن نظام الكريسبر قابل للبرمجة، فإمكاننا إعطاء نسخة من الحمض الوراثي المراد تعديله ثم وضع النظام في خلية حية.

أي تعديل الخلايا الحية لتفعيل وتثبيط جينات واستهداف ودراسة أجزاء معينة من الـ DNA.

القضاء على الأمراض:

في 2015 استخدم العلماء كريسبر لطرد فيروس مرض الإيدز HIV خارج الخلايا الحية لمرضى تحت الاختبار، الأمر الذي أثبت نجاحه بعد حوالي العام أنهم قاموا بعمل تجربة على نطاق أوسع على الفئران التي كان لديها فيروس نقص المناعة المكتسبة في كل خلاياها، فعن طريق حقن كريسبر في ذيلها، كان باستطاعتهم إزالة أكثر من 50% من الفيروسات من خلايا الجسم.

في الحقيقة أننا قد نصل لعلاج يشفي من الـHIV والأمراض الفيروسية الأخرى في العقود القليلة القادمة. وقد يكون بإمكاننا القضاء على واحد من ألد أعدائنا؛ السرطان. تمت الموافقة على أول تجربة لعلاج السرطان عن طريق كريسبر في 2016 في الولايات المتحدة الأمريكية، وفي أقل من شهر أعلن علماء صينيون أنهم سيعالجون سرطان الرئة عن طريق خلايا مناعية معدلة عن طريق كريسبر. فالأحداث تسير بوتيرة متسارعة وهناك أيضا العديد من الأمراض الوراثية الأخرى مثل: سيولة الدم، وعمى الألوان، ومتلازمة داون فقد ننهي هذه الأمراض للأبد.

تصميم الأطفال:

إن فكرة تعديل الجينوم لجنين بشري موجودة بالفعل، ففي 2015و2016 قام علماء صينيون بتجارب على أجنة بشرية وحصلوا على نجاح جزئي في تجربتهم الثانية.

بغض النظر عن منظورك الشخصي للهندسة الوراثية فهي حتما مستمرة وبلا توقف، فالبشر المعدلون قد يغيرون الجينوم البشري بأكمله، الخصائص المعدلة ستنتقل إلى الاطفال والذين سينقلونها للأجيال التي تليهم. سيبدأ الأمر ببطء، فأول الأطفال المعدلين وراثيا لن يكونوا معدلين جينيا، لن يكونوا معدلين كثيرا في الغالب، وإنما سيعدلون لمنع الأمراض الجينية الفتاكة التي تسري في جينات العائلة، لكن قريبا ريثما يولد أول طفل معدل سيفتح بابا لن يغلق بعده أبدا.

فإن جعلت طفلك مقاوما لمرض ما في العائلة فماذا عن طول فارع؟ أو بنية قوية؟ أو شعر مثالي؟ أو ذكاء خارق؟؟ كلها تغيرات كثيرة قد تطرأ على البشر وتتراكم مع الوقت.

شباب أبدي:

من المعلوم أن التلف الذي يحدث بجزئ DNA هو المسبب الأساسي للشيخوخة، حيث

تفقد الخلية البشرية يوميا حوالي 5000 قاعدة بيورين منDNA الموجود بها مما يحدث تغيرات هائلة لا يستمر منها سنويا سوي 2 أو 3، ويكون لها صفة الدوام، ومع زيادة العمر فإنها تتراكم مسببة الشيخوخة. وهناك أيضا جينات تؤثر مباشرة في موضوع التقدم في العمر. إن خليطا من العلاج الجيني مع بضعة علاجات أخرى قد توقف أو تبطئ الشيخوخة.



إن البحث في هذا المجال لا يزال في مهده وأمامنا الكثير من التحديات، بعضها تكنولوجي وبعضها الآخر أخلاقي وغير مقبول نهائيا، ومهما كان رأيك في الهندسة الوراثية، فإن المستقبل قادم لا محالة وما كان خيالا علميا وجنونيا قد أصبح واقعا.

بواسطة: أسماء صادق