في عام 1879 تعثر ساعي البريد فرديناند شيفال في صخرة عجيبة الملمس والشكل أثناء جولاته في الشوارع الفرنسية وكانت هذه الصخرة مصدر ان...
في عام 1879 تعثر ساعي البريد فرديناند شيفال في صخرة عجيبة الملمس والشكل أثناء جولاته في الشوارع الفرنسية وكانت هذه الصخرة مصدر انبعاث فكرة عظيمة في التكوين الفني .. وظل على مدى 33 عاماً يجمع من هذه الصخور والحصى حتى أنه كان يكمل في اليوم 18 ميل في رحلة البحث عن صخوره العجيبة وفي كل مساء كان يتجهز لخلط كل من الصخور والحصى مع الجير والخراسانة لبناء قصور من أعجب القصور بحق .. القصور التي بعد ذلك ألهمت جيلاً بأكمله من فنانين السريالية وأصبح شيفال رمزاً ومثالاً عظيماً ..
فرديناند شيفال
قصور شيفال تزدهر بمشاهد من الطبيعة وبتصاميم خاصة من كل الحضارات الصينية والمسيحية والإسلامية ورموز ومعالم كثيرة كان يراها على الطوابع البريدية وهى محفورة في رأسه تماماً كما نحتها للعالم .. قصور شيفال العجيبة تعج بالحيوانات أمثال الأخطبوط والفيل والبجعة والدب والطيور فضلاً عن الجنيات والشخصيات الأسطورية التي أتى بها من كل مكان في العالم ليجمعها في قصر واحد كما كانت تجمع في طوابع ..
ومن الغريب أن شيفال الذي أبهر أباطرة الفن في عهده لم يتلق تعليماً فنياً من قبل ولم يكن له أى انتماءات لأى حركة فنية أو توجه فنى .. في العام 1969 تم تصنيف أعمال شيفال العظيمة من قبل الوزير الفرنسي للشؤون الثقافية على أنها القصور المثالية والتي تمثل مثالاً فريداً في البساطة المعمارية وأعمال شيفال ظلت صامدة أمام كل نقد ساذج أو مغرض حتى الآن .. فأعمال شيفال تتسم بالإنسانية ووضوح النزعة للحياة الإنسانية في سلام .. ستجد في قصوره المآذن بجوار الكنائس بجوار المعابد .. لعل هذا ما نحّاه عن الشهرة من قِبَل ما يمكن أن نطلق عليه بالحكومة الفنية التي لا يخلو بلد منها منذ أن عرفت الشعوب الحرية ومنذ أن أدركت الفن كأعظم أداة للتعبير عن الحرية ..
فرديناند شيفال ولد في عام 1836 في شارم سور بفرنسا ، وتوفي 19 أغسطس 1924 كان ساعي البريد والفنان الذي قضى ثلاثة وثلاثين عاماً من عمره في بناء القصور المثالية والتى هى مثابة كرنفال إنساني عريض يسع جميع الثقافات في عملٍ واحد ..
أما عن أصول فرديناند شيفال فقد نشأ في شاتونوف دي في الـ دبرتمنت بفرنسا وكان كعادة أغلب العظماء في التاريخ لم يستكمل سنينه الدراسية في المدرسة حيث غادرها وهو لم يزل ابن الثالثة عشر ليتدرب على العمل ليصبح خبازاً ليجد قوت يومه وما يعينه على الحياة وفي نهاية المطاف إستقر في عمله كساعي بريد ..
وأما عن قصوره المثالية فقد بدأ شيفال العمل على بنائها في أبريل نيسان عام 1879 ويروى شيفال بنفسه حكاية هذه القصور العجيبة ويقول : " كنت أسير مسرعاً عندما تعثرت وسقطت وارتطمت قدمي بقوة في صخرة عجيبة كانت على بعد أمتار مني فأردت أن أعرف كيف تعثرت بالضبط فأخذت أتفحص الطريق جيداً حتى وقعت عيني على سبب تعثري .. وكنت في أحلامي أرى أنني قد بنيت قصراً يشبه الأبنية الأسطورية ملىء بالكهوف وغريب - لا استطيع التعبير عن ذلك حقيقةً - لم أقل لأحد ولم أحكي عن حلمي هذا مخافة أن أتعرض للسخرية أو أن أظهر للناس بكلام يجعلني عندهم رجل سخيف على الرغم من تكرار حلمي هذا .. ثم بعد خمسة عشر عاماً وعندما كنت قد نسيت حلمي تقريباً وعندما كنت لا أفكر فيه على الإطلاق تذكرته وأنا أتعثر وترتطم قدمي بهذا الحجر العجيب .. أردت - ولا أعرف لماذا - ماذا على هذا الحجر أو ما نوعه وأشياء من هذا القبيل .. كنت مدفوعاً بشدة لأن آخذه معي وبالفعل أخذته وغادرت لكنني عدت بعد ذلك .. بعد أن احتفظت بكنزي الصغير في جيبي والذي أستطيع إخفائه دون أن يسألني أحد ما هذا .. فوجدت الكثير والكثير من الأحجار بل وأجمل وأغرب منه شعرت بفرحة عارمة وكدت أرقص من الفرحة وتغلبت على فرحتى وهدأت لأتأملها إنه حجر رملى شكلته المياه وصار صلباً جداً وأخذت أجمع منه قدر ما استطعت وقلت لنفسي : إذا كانت الطبيعة مستعدة لاستقبال تحفة عالمية فأنا جاهز لتشييد وهندسة هذا المعمار الخاص والفريد "
ولثلاثة وثلاثين عاماً ظل فيها شيفال أثناء جولاته البريدية اليومية يحمل الأحجار والحصى في جيوبه وهو عائد للمنزل ويقول شيفال أنه أمضى السنوات العشرين الأولى في بناء الجدران الخارجية وفي البداية كان يحمل القليل في جيوبه ولكن الأمر تطور وصار سلة كبيرة لتستوعب حجارة أكثر وفيما بعد استخدم عربة لنقل الأحجار ويقول أنه كان يعمل ليلاً بواسطة مصباح الزيت ..
أراد شيفال في نهاية تحقيقه لحلمه أن يُدفن في قصره الذي هو في حقيقة الأمر مجموعة من القصور والكهوف مجتمعة مكونةً قصراً واحداً .. ومع أن مسألة دفنه بهذه الطريقة غير قانونية فقد ظلت قضيته تجول في أروقة القضاء الفرنسي لمدة الثماني سنوات والتي كان يبني فيها مقبرته الخاصة بنفسه .. توفي شيفال في 19 آب من العام 1924 وبالتحديد في الوقت الذي كان قد أنهى فيه قبره الخاص ودفن فيه ..
قبر فرديناند شيفال الذي أعده بيده
لم يحظ شيفال بعد بنائه العظيم بشهرة أثناء حياته ولكنه قبل وفاته كان قد بدأ يتلقى إعترافات من أفواه أسود الفن آنذاك مثل أندريه بريتون وبابلو بيكاسو كانت رسائل يبديان له فيها إعجابهما بأعماله وفي مقالة كتبها أنيس نين في عام 1932 ظهر الإحتفال الكبير بأعمال شيفال وكذلك الفنان الألماني ماكس إرنست وقد صنع له طابع بريد خاص باسمه وعليه صورته
وفي عام 1969، أندريه مالرو وزير الثقافة أعلن أن قصر شيفال يعد معلماً ثقافياً وكذلك محمية طبيعية بشكل رسمى ليكون مزاراً للسياح من كل مكان وفي العام 1986 وضعت صورة شيفال على طابع البريد الفرنسي ليكون بذلك تتويج آخر لأعماله .. وفي رواية
" تشاك " تمت الإشارة لشخصية شيفال الذي كان يقوم بتوصيل الطلبات ويجمع الحجارة ليبني منزل الأحلام .
" تشاك " تمت الإشارة لشخصية شيفال الذي كان يقوم بتوصيل الطلبات ويجمع الحجارة ليبني منزل الأحلام .
التعليقات